في بلدة صغيرة، عاش تاجر غني يُعرف بمهارته في بيع الأقمشة. كان يمتلك محلاً كبيراً في السوق، حيث كان الناس يأتون لشراء الأقمشة من جميع الأنحاء. كان التاجر مشهوراً بجودة بضاعته، ولكن مع مرور الوقت، بدأ الجشع يتسلل إلى قلبه. قرر التاجر الغني أنه سيبدأ في تقليل كمية القماش التي يبيعها لزبائنه دون أن يلاحظوا، لكي يزيد من أرباحه. كان يعتقد أن أحداً لن يكتشف الأمر، وخاصةً الزبائن البسطاء الذين لم يكونوا على دراية كبيرة بالأوزان والكميات.
من بين هؤلاء الزبائن، كان هناك رجل فقير يعيش في قرية نائية. كان هذا الرجل يأتي كل شهر لشراء قماش يكفي لعائلته، وكان دائماً يدفع ما يطلبه التاجر بدون أن يناقش السعر. كان يثق بالتاجر ويعتقد أنه أمين. وفي أحد الأيام، احتاج الرجل إلى كمية كبيرة من القماش، فدفع كل ما يملك للحصول على هذه الكمية، لكنه لم يلاحظ أن التاجر قد خفض الوزن الفعلي للقماش الذي أعطاه له.
عندما عاد الرجل الفقير إلى قريته وبدأ باستخدام القماش، أدرك أن الكمية كانت أقل بكثير مما دفع ثمنه. شعر بالظلم والحزن، لكنه لم يكن يعرف كيف يواجه التاجر الغني، خاصةً أنه كان فقيراً ولا يمتلك القوة لمواجهة شخص له مكانة في السوق. قرر أن يصمت ويستمر في حياته، لكنه لم ينسَ ما حدث.
مرت الشهور، وذات يوم كان التاجر الغني بحاجة إلى إصلاحات في منزله الكبير. كان لديه بعض الأثاث الذي تضرر ويريد إصلاحه. سمع عن رجل نجار ماهر يعيش في نفس القرية التي يسكن فيها الرجل الفقير. كان النجار معروفاً بمهارته وحرفيته، فأرسل التاجر له طلباً ليأتي ويقوم بإصلاح الأثاث.
وصل النجار إلى منزل التاجر، وبدأ في إصلاح الأثاث. وبعد الانتهاء من العمل، دفع له التاجر أجره واتفقا على أن يعود النجار في اليوم التالي لتفقد النتائج. لكن النجار كان يعلم أن التاجر قد خدع صديقه الفقير في القماش، وقرر أن يلقنه درساً. استخدم النجار خشباً رخيصاً وغير متين في بعض أجزاء الأثاث، ولكنه قام بتلميعه بعناية حتى يبدو متيناً وقوياً.
في اليوم التالي، بدأ التاجر في استخدام الأثاث الذي أصلحه النجار. في البداية، كان الأثاث يبدو ممتازاً، ولكن بعد فترة قصيرة بدأ الأثاث يتكسر. غضب التاجر بشدة وقرر أن يتصل بالنجار ليسأله عن السبب. عندما واجه النجار التاجر، كان هادئاً جداً، وقال له بهدوء: “كما خدعتني في القماش، خدعتك في الخشب.”
تفاجأ التاجر بهذا الرد، وسأله عن القصة. أوضح النجار أن الرجل الفقير من قريته، وأنه كان قد تعرض للظلم عندما اشترى القماش من التاجر. كانت الكلمات مؤثرة للغاية على التاجر الغني، الذي أدرك فجأة حجم خطئه. شعر بالخجل والندم على ما فعله، خاصةً بعد أن علم أن تصرفاته لم تمر دون عقاب.
بعد هذه الحادثة، قرر التاجر أن يتغير. أدرك أن الصدق والأمانة هما مفتاح النجاح الحقيقي في الحياة، وأن المال وحده لا يمكن أن يجلب السعادة إذا كان مصدره الظلم والخداع. عاد إلى متجره وأعاد التفكير في طريقة تعامله مع زبائنه. بدأ يزن القماش بدقة ويعطي الزبائن حقوقهم كاملة، وأصبح يعامل الجميع بالعدل والإنصاف.
أما بالنسبة للرجل الفقير، فقد قرر التاجر أن يعتذر له شخصياً. قام بدعوته إلى متجره وقدم له القماش الذي اشتراه سابقاً مجاناً، وأعطاه أيضاً كمية إضافية كتعويض عن الظلم الذي تعرض له. شعر الرجل الفقير بالسعادة والامتنان، وأصبح الجميع في البلدة يتحدثون عن التغيير الذي حدث للتاجر الغني.
الدروس المستفادة
الصدق والأمانة هما أساس الثقة في جميع التعاملات. ما تزرعه اليوم، ستحصده غداً. الخداع والظلم قد يجلبان بعض الفائدة الوقتية، لكن النهاية دائماً ما تكون مليئة بالندم والخسارة. لذا، كن دائماً أميناً في كل ما تفعل، لأن “كما تدين تدان”.